حاول دونالد ترامب ربط اتهام الديموقراطيِّين بأنّه «تهديد للديموقراطية» بالتهديدات على حياته. وفي الوقت عينه، زاد من هجماته على خصومه. وعلى مدى أشهر، وصف دونالد ترامب وحلفاؤه الأمة بأنّها تواجه ظلاماً لا يمكن تصوّره.
أمام آلاف الحاضرين في تجمّع في لاس فيغاس الجمعة الماضي، اعتبر ترامب أنّ الولايات المتحدة «تتعرّض إلى غزو» من «آلاف وآلاف وآلاف الإرهابيِّين». وأضاف، أنّ الأطفال يُعدَمون «بعد الولادة». وأكّد أنّ أميركا تواجه احتمال «محرقة نووية».
بعد 3 أيام، وبعدما واجه ثاني محاولة اغتيال في شهرَين، أثار ترامب ما أصبح مشكلة أميركية شائعة للغاية: الخطاب السياسي التحريضي. لكن ليس خطابه هو، بل خطاب خصومه. وفي مقابلة مع «فوكس نيوز ديجيتال»، أشار ترامب إلى «أنّ خطابهم هو الذي يتسبّب في إطلاق النار عليّ، بينما أنا من سيُخلّص البلاد».
تُشكّل تعليقاته انقلاباً على سيناريو سياسي معتاد. لسنوات، جادل الديموقراطيّون بأنّ نزعات ترامب الاستبدادية، وتهديداته المتصاعدة بسجن من يراهم أعداء، وجهوده لقلب نتيجة الانتخابات التي خسرها، ورفضه الالتزام بقبول نتائج الانتخابات المقبلة، تجعله تهديداً فريداً للمبادئ التأسيسية لأميركا. وكانت التحذيرات الحادة من مخاطر رئاسة أخرى لترامب مصحوبة بحملات تحريض على التصويت وهزيمة الرئيس السابق في صناديق الاقتراع.
الآن، كجزء من جهد مستمر لنفي الديموقراطيِّين أحد خطوط هجومهم الرئيسية ضدّه، يسعى ترامب إلى إلقاء اللوم على خصومه في المناخ السياسي المتزايد التوتر الذي ساهم هو نفسه في تأجيجه.
وكتب ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الاثنين: «بسبب هذا الخطاب الشيوعي اليساري، تطير الرصاصات، ولن يتحسّن الوضع إلّا سوءاً!».
يوم الاثنين، وزّعت حملة ترامب اقتباسات من الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس وغيرهما من الديموقراطيِّين تصف ترامب بأنّه «تهديد» للديموقراطية والحرّيات الأساسية والأمة. وتضمّنت القائمة عبارة ربما هي الأكثر اقتباساً من قِبل الجمهوريِّين: «لقد حان الوقت لوضع ترامب في دائرة الهدف» التي قالها بايدن. وقال الرئيس، بعد المحاولة الأولى لاغتيال ترامب، إنّ استخدام هذا التعبير كان «خطأ».
هذا الهجوم ليس جديداً. منذ بداية الحملة، جادل ترامب بأنّ الديموقراطيِّين يمثّلون الخطر الحقيقي على الديموقراطية. واتهم بايدن وهاريس بتسليح النظام القانوني ضدّه – فقد تمّ توجيه 4 تهم جنائية لترامب وأدين في 34 تهمة – لتصوير تلك المحاكمات على أنّها اضطهاد سياسي.
في الوقت عينه، أصرّ على مزاعمه الزائفة بأنّ انتخابات 2020 قد سُرقت منه، ودعا إلى إطلاق سراح من تمّ اعتقالهم على خلفية هجوم 6 كانون الثاني على الكابيتول – وهو الهجوم الذي يُتهم بالتحريض عليه – واصفاً إياهم بأنّهم «رهائن» و«سجناء سياسيّون».
تُعَدّ هذه الأساليب جزءاً من كُتيِّب إستراتيجي يعود إليه ترامب عندما يُتهم بأيّ خطأ: فهو يتهم خصومه بالشيء ذاته.
وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، في جامعة ويسكونسن يوم الاثنين: «إنّه يُسقِط ما فيه على غيره. يقول: نانسي المجنونة - إنّه هو المجنون». وأضافت: «يقول: هيلاري الفاسدة - إنّه هو الفاسد. كل صفة يستخدمها تتعلّق به حقاً».
عندما وصفت هيلاري كلينتون، المرشحة الديموقراطية لعام 2016، ترامب بأنّه «دمية» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ردّ ترامب: «أنتِ الدمية».
بعدما وصفت حملة بايدن ترامب بأنّه «عنصري مدى الحياة»، ردّ الأخير بأنّ بايدن هو «عنصري قاسٍ وشرس للغاية».
في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، سعى ترامب إلى تحويل خط جديد من الديموقراطيِّين - بأنّ ترامب وحلفاءه «غريبون» - ضدّهم. وقال في التجمّع الذي أقيم في لاس فيغاس: «نحن لسنا غريبين. إنّهم الغريبون».
وفي المناظرة الرئاسية الأسبوع الماضي، ردّ ترامب على اتهام بأنّه سيقوم «بتسليح» وزارة العدل بمهاجمة هاريس للقيام بذلك. وأضاف: «يتحدّثون عن الديموقراطية. أنا «تهديد للديموقراطية». إنّهم التهديد للديموقراطية».
وقد أسهمت مثل هذه الهجمات الحادة، مقترنة بانتخابات يتفق كلا الجانبَين على أنّ رهاناتها كبيرة، في خلق مناخ سياسي عام مشحون بالعنف.
وأثّرت التهديدات والمضايقات والعنف على المشرّعين عبر الطيف السياسي - من إطلاق النار على النائب ستيف سكاليز في مباراة بيسبول الكونغرس إلى الهجوم على بول بيلوسي، زوج نانسي بيلوسي، في منزلهما - إلى جانب موظفي الانتخابات والقضاة والمسؤولين الآخرين. الشهر الماضي، تمّ اتهام رجل من فيرجينيا بنشر تهديدات بالقتل ضدّ هاريس على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أيام من تسمِيَتها مرشحةً ديموقراطيةً محتملة لمنصب الرئيس.
حوالى ربع الرؤساء الأميركيِّين تعرّضوا إلى محاولات اغتيال خطيرة، وفقاً لما ذكره ماثيو داليك، مؤرّخ في كلية الدراسات المهنية بجامعة جورج واشنطن، الذي يعمل على كتاب حول محاولات اغتيال الرؤساء الفاشلة والعنف السياسي في القرن العشرين.
مع ذلك، فإنّ ما هو غير عادي، خصوصاً بشأن محاولتَي اغتيال ترامب، كما قال داليك، هو أنّهما وقعتا خلال حملة رئاسية محتدمة تعرفها مناقشة حول متانة المشروع الأميركي.
وقال: «تشعر البلاد وكأنّها في خطر الانهيار بطريقة لا تعكس بالضرورة محاولات أخرى على حياة الرؤساء». وأضاف: «في وسط هذه السباق الرئاسي المتزايد التوتر، لدينا نقاش حول مَن المسؤول. مَن هو التهديد الحقيقي للديموقراطية؟».
وجاءت آخر محاولة اغتيال حياة ترامب بينما كان يمارس رياضة الغولف في أحد نواديه في ويست بالم بيتش، فلوريدا، بعد أقل من أسبوع من أدائه المتواضع في مناظرة ضدّ هاريس. على المسرح، روّج ترامب بغضب مرئي لمزاعم كاذبة، كرّرها أيضاً نائبه، السيناتور جي دي فانس من أوهايو، بأنّ مهاجرين هايتيِّين في سبرينغفيلد، أوهايو، كانوا يأكلون الحيوانات الأليفة. وقد وضعت هذه الاتهامات المدينة والمجتمع الهايتي هناك في حالة من القلق، إذ يكافح المسؤولون الجمهوريّون المحليّون لتهدئة المخاوف وسط سلسلة من التهديدات بالقتل.
ودعا الديموقراطيّون ترامب وحلفاءه إلى التوقف عن نشر الأكاذيب، فقال بايدن إنّ هذه الرواية «خاطئة ببساطة» و»ليس لها مكان في أميركا».
يوم الاثنين، استخدم فانس محاولة الاغتيال لتشتيت الانتباه عن الانتقادات الديموقراطية لدوره في تأجيج الخوف في سبرينغفيلد، داعياً الديموقراطيِّين إلى تخفيف حدّة خطابهم تجاه ترامب والجمهوريِّين، بينما زاد من اتهاماته بأنّهم يتحمّلون المسؤولية عن محاولتَي الاغتيال.
في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من 1200 كلمة ليلة الاثنين، اتهم فانس الديموقراطيِّين بـ«الرقابة» و«الابتزاز الأخلاقي»، معتبراً بأنّه عالمٌ يقاوم فيه المحافظون مؤسسة أميركية ليبرالية نخبوية يعتقدون أنّها تسعى إلى إسكاتهم بأي وسيلة ضرورية.
وكتب: «إرفضوا الرقابة، وسترفضون العنف السياسي». وأضاف: «منطق الرقابة يؤدّي مباشرة إلى مكان واحد، حيث لا توجد سوى طريقة واحدة لإسكات إنسان بشكل دائم: أن تضع رصاصة في دماغه». وأدان جميع المرشحين الديموقراطيِّين، إلى جانب بايدن، بسرعة محاولة اغتيال ترامب، قائلين إنّ العنف ليس له مكان في السياسة الأميركية.
وفي حديثها لجمعية الصحافيِّين السود يوم الثلاثاء، أدانت هاريس مرّة أخرى العنف السياسي. لكنّها خصّصت أقوى ملاحظاتها لإدانة تعليقات ترامب حول المهاجرين في أوهايو، ووصفتها بأنّها «كراهية» متجذّرة في أنماط عنصرية.
وقالت: «عندما تُمنح ميكروفوناً بهذا الحجم، تأتي معه مسؤولية عميقة. لا يمكن أن يُعهد إليك بالوقوف خلف ختم رئيس الولايات المتحدة الأميركية وأنت تنخرط في هذا الخطاب الكراهية المُصمَّم، كما هو معتاد، لتقسيمنا كدولة».